انشاء حساب



تسجيل الدخول



الاتحادات الطلابية ليست إلا وجهًا من تاريخ طويل للحركة الطلابية

من 1905وإلى الآن تمتد الحركة الطلابية على تعاقب الحكام.. ولكلٍّ منهم معها حكايته

من مظاهرة بجامعة القاهرة
22 أكتوبر 2015
11120

يوم الأربعاء الماضي، 18 أكتوبر، أصدر وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور أشرف الشيحي قرارًا وزاريًّا برقم 4307 لسنة 2015، بتعديل اللائحة الطلابية، وفي اليوم نفسه صرح نائب رئيس جامعة عين شمس الدكتور محمد الحسيني الطوخي بأن انتخابات اتحاد الطلاب ستجرى خلال شهر نوفمبر القادم، بعد تأجيلات متكررة امتدت لأكثر من سنتين ونصف.

في التقرير التالي، نعرض تاريخ نشأة الاتحادات الطلابية، والقضايا التي شغلتها، وتعاملها مع الحكام والأنظمة المتعاقبة من بدايات القرن الماضي، وإلى الآن.

 

الحركة الطلابية هي الأصل

قد يمكن القول إن بداية الاتحادات الطلابية ما كانت إلا وجهًا من تاريخ الحركة الطلابية في مصر، وبدأ يتكشف بعد عقود عديدة من بدايتها، والحركة الطلابية يرجع تاريخ تنظيمها، بوصفها قوة فعالة في مجال العمل الوطني- ،لى عام 1905؛ حين اهتم السياسي مؤسس الحزب الوطني مصطفى كامل بالطلاب حينها، وأنشأ نتيجة لذلك ما سماه "نادي المدارس العليا"، بهدف تنمية الوعي السياسي للطلبة وتعبئتهم ضد الاحتلال الإنجليزي.

وبطبيعة حال ذلك الوقت، فقد بقيت قضية الاحتلال هي القضية الأساسية للحركة الطلابية. وخلف من بعد مصطفى كامل السياسي محمد فريد، والذي خطا بالحركة الطلابية خطوات أبعد، فبدأت بتنظيم الاحتجاجات والإضرابات.

وبحسب كتاب "الطلبة والسياسة في مصر" لأستاذ العلوم السياسية الراحل الدكتور أحمد عبد الله رزة، فقد أسهمت أحداث 1919 إلى تعزيز الحركة الطلابية أكثر بالطلاب المنتمين إلى حزب الوفد، وأصبح بعدها الطلاب جزءً أساسيًّا من حزب، وأيد السياسي سعد زغلول وجودهم بعد عودته من المنفى، بل وقرر أن يضع "زعيم" اللجنة الطلابية حسن ياسين في الحزب على قائمة الوفد مرشحًا للانتخابات النيابية عام 1924، وبفوزه في الانتخابات، صار ياسين أول طالب يدخل البرلمان.

إلا إن قيادة حزب الوفد للحركة الطلابية لم تستمر طويلًا، فمع بداية الثلاثينيات، بدأت منظمة مصر الفتاة تجتذب عددًا كبيرًا من الطلاب، ولحقتها جماعة الإخوان المسلمين بوجود متزايد في الجامعة مع بداية الأربعينيات، وكذلك الحركات الشيوعية بعد ذلك بأعوام، بجانب وجود تجمعات سياسية أخرى أصغر بين الطلاب، مثل الحزب الوطني الذي كان وجوده يتضاءل بمرور الوقت.

وكان حرص الأحزاب والحركات السياسية على التواجد بين الطلاب يأتي متوازيًا مع تزايد ثقل الحركة الطلابية على الساحة السياسية، وهذا الثقل كان نتيجة أحداث صنعها الطلاب بأنفسهم.

 

1935.. الطلاب يؤثرون على القصر الملكي

ومن أبرزها ما حدث عام 1935، بعدما أعلن الوزير البريطاني للشؤون الخارجية صامويل هور إصرار بريطانيا على إبقاء دستور عام 1930 في مصر رغمًا عن الأحزاب والحركات السياسية في مصر، وبخطاب جماهيري من رئيس حزب الوفد مصطفى النحاس في يوم 13 نوفمبر 1935، خرج حوالي 2000 طالب في مظاهرات خارج الجامعة للاعتراض على السيطرة البريطانية على البلاد.

واستمرت المظاهرات فيما بعد ذلك من أيام، وشهدت في اليوم التالي لبدئها اصطدامات بين الطلاب المتظاهرين والشرطة، نتجت عن إصابة طالبين، توفي أحدهما بعدها بأيام، وأسهم ذلك بالدفع إلى تكوين جبهة وطنية موحدة من كل الأحزاب، ثم في 12 ديسمبر 1935، أصدر القصر الملكي مرسومًا بإعادة دستور 1923 بحسب رغبة الأحزاب، مما دفع الأمور بعد ذلك لتوقيع المعاهدة الإنجليزية – المصرية عام 1936.

 

1946.. وحادثة كوبري عباس

مظاهرة على كوبري عباس

ومن أبرز التحولات التي قادها الطلاب أيضًا، سلسلة التظاهرات والأحداث التي بدأت في نوفمبر عام 1945، واستمرت لعام كامل تقريبًا، كان على رأسها خروج الطلاب، يوم 9 فبراير عام 1946 في مسيرة، مطالبين بجملة من المطالب، من بينها وقف المفاوضات مع بريطانيا، ورفض أي معاهدة دفاع معها، وإلغاء معاهدة 1936. وفي هذا اليوم، عبر الطلاب المتظاهرون في مسيرتهم كوبري عباس، فحدثت الواقعة الشهيرة؛ فقد فتحت الشرطة الكوبري، مما نتج عن وقوع عدد من الطلاب في النيل، وإصابة عدد آخر من الطلاب قدر بالأربعة والثمانين.

 

تصعيد ما قبل يوليو 1952

واستمرت المظاهرات بعد ذلك في القاهرة، وامتدت إلى الأسكندرية ومدنًا بالدلتا، ثم أنشأ الطلاب مع العمال في فبراير عام 1947 "اللجنة الوطنية للعمال والطلبة"، واستمر الحراك بأحداث مختلفة إلى أن أعلن رئيس الوزراء البريطاني كلمنت أتلي أخيرًا، في 8 مارس عام 1946، عزم القوات البريطانية على الانسحاب من القاهرة والدلتا وتمركزها في منطقة قناة السويس. ومع ذلك، لم تتوقف الاحتجاجات الطلابية، بل بلغت درجة من العنف والاصطدامات بالشرطة لم تبلغها من قبل. وفي هذه القترة أيضًا، حاول الطلاب الخروج من إطار الأحزاب المنتمين لها؛ لتكوين كيان طلابي يجمعهم، وقد اتخذ هذا الكيان أشكالًا ومسميات عديدة.

وشهد أكتوبر من عام 1951 تصعيدًا في النشاط الطلابي، فتحولت به الجامعة نفسها إلى معسكر تدريب عسكري، يتلقى فيه نحو عشرة آلاف طالب تدريباتهم، ووفرت جماعة الإخوان المسلمون السلاح، مما صعد بالأمور ودفعها بعد ذلك إلى قيام أحداث يوليو 1952، بتزعم تنظيم "الضباط الأحرار"، الذين لم يكونوا بعيدين تمامًا عن تأثير الحركة الطلابية.

 

عبد الناصر.. ومحاولة السيطرة على الطلاب

جمال عبد الناصر

وعلى الرغم من أن ما حدث في يوليو 1952 كان يحظى بتأييد الطلاب على العموم، وأنهم أيدوا النظام الحاكم الجديد في البداية بعد رحيل الملك، فإن تأييدهم لم يدم طويلًا.

وبدأت تصادمات الحركة الطلابية مع الحكومة عام 1954، وكان السبب في الأساس تعارض فكر الحركة الطلابية مع فكرة الحكم العسكري؛ فأعلن طلبة جامعة القاهرة تشكيل جبهة طلابية للتعبير عن معارضتهم لهذا الحكم، وقامت إثر هذا اصطدامات عنيفة بالشرطة، لدرجة اضطرت الحكومة إلى إغلاق الجامعة، وحين استؤنفت الدراسة بعد ذلك، استؤنفت بالتدريج؛ فرقة بعد أخرى لتجنب حدوث صدامات جديدة، بجانب بدء الحكومة في القيام بحيل مختلفة للتحكم في نشاط الطلاب في الجامعات.

فبداية هذه الحيل كان تطبيق نظام امتحان نصف السنة لشغل وقت الطلبة مبدئيًّا، مع ضغط أمني متزايد بالجامعة، فقد تمركزت فرق مؤقتة من القوات المسلحة على أبواب الجامعات، بالإضافة إلى التواجد المستمر لـ "حرس الجامعة" من أفراد الشرطة في كل كلية. هذا بالإضافة إلى إلغاء نظام الانتخاب في اتحادات الطلاب، ليحل نظام التعيين بديلًا منه عام 1953 وإلى 1959.

وتزامنًا مع هذا، حاولت الحكومة تسيير نشاط الطلاب في الاتجاه الذي ترغب هي فيه، فقامت بإنشاء منظمات سياسية تابعة ومؤيدة لها في الجامعة، مثل: منظمة الشباب الاشتراكي، وطليعة الاشتراكيين (التنظيم الطليعي)، وحاولت أيضا توجيه نشاطهم في غير السياسة بإنشاء المجلس الأعلى لرعاية الشباب، والذي كان معنيًّا أكثر بتنظيم الأنشطة الترفيهية والرياضية، تحت إشراف وزارة التعليم العالي التي نشأت في تلك الفترة، والمجلس الأعلى للشباب.

وعلى الرغم من أن نظام الانتخاب في الاتحادات الطلابية عاد بعد اللائحة الطلابية التي صدرت عام 1958 بموجب قرار جمهوري، فإن هذه اللائحة ذاتها نصت على أن يهتم الاتحاد بالمسائل الاجتماعية فقط، بجاب أنه لم يكن اتحاد طلاب خالصًا، فالمجلس الأعلى للاتحاد كان يتكون حينها من 12 عضوًا من هية التدريس، و9 خريجين، و8 فقط من الطلاب، وعدل ذلك في لائحة أخرى صدرت عام 1963، فاقتصرت العضوية على الطلاب، ولكن بقي أعضاء هيئة التدريس كـ "مستشارين" للجان الاتحاد، ثم في تعديل آخر عام 1966، صار "ألمستشارون" "روادًا" للجان، والرواد يعينون من قبل إدارة الكلية، ولا تعقد أي اجتماعات صحيحة إلا برئاسة الرائد، ولا يتخذ أي إجراء تقريبًا إلا بموافقته، كما كان رائد الاتحاد العام لطلاب الجمهورية يعينه تنظيم "الاتحاد الاشتراكي العربي" التابع للحكومة.

وتسبب هذا الضغط الأمني والحيل المتنوعة في تراجع اهتمام الطلاب بالعمل السياسي أساسًا، وشهدت الحركة الطلابية ركودًا نسبيًّا، وما أوقف هذا الركود إلا "النكسة" عام 1967.

 

1967.. الطلاب يصادمون عبد الناصر

ففي 21 فبراير عام 1967، خرج عمال حلوان في مظاهرات تعترض على حكم المحكمة العسكرية على ضباط الطيران المتهمين بالتقصير، والذين اتهمهم الناس عامة بأنهم سبب من أسباب الهزيمة، فكانوا يرون أن الأحكام التي صدرت ليست كافية، واصطدم العمال المتظاهرون مع الشرطة، فأدت إلى إصابة العشرات من العمال، وبسبب هذا احتجت فئات مجتمعية مختلفة، كان على رأسها الحركة الطلابية.

ولأول مرة منذ عام 1954، عاد الطلاب يخرجون في مسيرات خارج أسوار الجامعة في القاهرة والأسكندرية، وتصاعدت الاحتجاجات، فاعتقل عدد من الطلاب بعد ذلك، مما أزاد المحتجين غضبًا، وحدثت اصطدامات أخرى مع الشرطة. وصاغ الطلاب غضبهم هذا في جملة متنوعة من المطالب، كانت تدور حول: مسألة الحريات، وإبعاد المخابرات والمباحث عن الجامعات، والتحقيق في اعتداءات الشرطة على الطلبة، والتحقيق في حادث عمال حلوان، وإعادة النظر في قضية ضباط االطيران المتهمين بالتقصير.

  وحاولت الحكومة امتصاص هذا الغضب، فحدثت مجموعة من النقاشات بين ممثلي الطلاب ومسؤولين في الحكومة، منهم عدد من الوزراء، ورئيس مجلس الأمة، وحتى امتدت إلى أن التقى عدد من ممثلي الطلاب مع الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.

 

الطلاب يؤثرون على عبد الناصر

وأدت هذه الاحتجاجات الطلابية كلها إلى نتائج عديدة، منها: أن أصدر عبد الناصر أمرًا بإعادة محاكمة الضباط المتهمين بالإهمال، كما أنه لأول مرة شكل وزارة أغلبها من المدنيين، كان لأساتذة الجامعات نصيب كبير منها، كما أدت إلى تخفيف وطأة يد الأمن على الجامعة، وصار للاتحادات الطلابية حرية أكبر في العمل السياسي، وذلك بصدور لائحة جديدة عام 1968.

 

احتجاجات جديدة.. من المنصورة

وظل الهدوء النسبي للحركة الطلابية شهورًا، حتى حدثت اضطرابات أخرى في نوفمبر من العام نفسه، وكانت البداية هذه المرة من المنصورة، وكانت القضية في الأصل قضية تعليمية؛ فقد خرج طلاب المدارس الثانوية إلى الشارع في يوم 20 من الشهر، احتجاجًا على قانون قد صدر في اليوم السابق، كان يقضي بأمور مثل رفع درجة النجاح الصغرى في عدد من المواد بالمرحلة الثانوية، وإنهاء الانتقال الآلي من صف دراسي إلى آخر في المرحلة الابتدائية، ووضع حد أدنى من الدرجات للالتحاق بالمرحلة الإعدادية، وهي أمور صعبت الحصول على مؤهلات دراسية. وفي يوم 21 نوفمبر، ازدادت هذه التظاهرات وتوجهت إلى مديرية الأمن، فانطلق الرصاص من قوات الشرطة المتمركزة بالمديرية، فقتل 3 طلاب وفلاحًا واحدًا، وأصيب 32 آخرون من المتظاهرين، بجانب إصابات عدد من أفراد الشرطة من الضباط والعساكر.

وبسبب هذه الأحداث، اندلعت مظاهرات في الأسكندرية، احتجاجًا على التعامل الأمني مع الطلاب المتظاهرين في المنصورة، وعلى المناخ السياسي الذي سمح بمثل هذا التعامل بشكل عام، ومرة أخرى تصاعدت التظاهرات، واعتصم طلاب داخل كلية الهندسة بالجامعة، وامتد هذا الاعتصام إلى أن انتهى بلا نتيجة تذكر، بل على العكس، فقد ألقي القبض على عدد من الطلاب منهم عدد من قيادات اتحادات الطلاب بالجامعة، بجانب عدد من الخريجين وأعضاء هيئة التدريس، اتهموا بمساعدة الطلاب في الاعتصام.

وهكذا، فقد شهدت أواخر أيام عبد الناصر استمرار التوتر بينه وبين الحركة الطلابية بشكل عام.

 

الطلاب يدفعون السادات إلى الحرب

محمد أنور السادات

ومع تولي الرئيس الأسبق محمد أنور السادات الحكم في سبتمبر عام 1970، وخلال الفترة الأولى من عهده، شهدت الحركة الطلابية كلها نشاطًا متزايدًا، وتشكل العديد من الجماعات والأسر ذات الاهتمامات السياسية وغير السياسية، ولعبت مجلات الحائط دورًا في تزايد الاهتمام بالقضايا السياسية التي كانت تتركز على قضيتين بالأساس: تحرير "الأراضي المحتلة"، و"الديموقراطية"، مع تنامي صوت الطلاب اليساريين بشكل عام.

وبعد أقل من عامين، بدأت موجة احتجاجات جديدة من الطلاب، بدأت في يناير عام 1972، بسبب خطاب السادات في يوم 13 من الشهر، والذي برر فيه عجزه عن الوفاء بوعده بأن يكون عام 1971 هو "عام الحسم" للاحتلال الإسرائيلي في سيناء، فخرجت المظاهرات ردًّا على هذا الخطاب غاضبة، وبدأت من كلية الهندسة بجامعة القاهرة بالتحديد، وتصاعدت بعد ذلك، وساعد على هذا التصاعد التعامل الأمني مع المظاهرات، واتهام الحكومة والرئيس من قبلها الحركة الطلابية بالتآمر والتخريب.

وأدت الأمور بعد ذلك، وبسبب الخلافات السياسية، إلى أن انفصلت الاتحادات عن الحركة الطلابية، فبينما كان تنظيم مستحدث يسمى بـ "اللجنة الوطنية العليا لطلاب جامعة القاهرة" هي التي تقود المظاهرات والاعتصمات، كانت الاتحادات أقل تدخلًا في السياسة وغير معارضة للحكومة، مما أسهم في انخفاض شعبية الاتحادات الطلابية، وبدأ الطلاب تدريجيًّا ينظرون إليها باعتبارها كيانًا لا يمثلهم.

واستمرت الحركة الطلابية في الاحتجاجات، واستمر التوتر حتى أمر السادات، في أواخر سبتمبر وأوائل أكتوبر عام 1973، بوقف محاكمة الطلاب، والإفراج عمن في السحن منهم، تمهيدًا للأمر بعبور قناة السويس وحرب أكتوبر أخيرًا.

 

ما بعد الحرب.. وبروز الأصوليين

وبعد الحرب، كانت فترة من الهدوء في الجامعات، ولكن الحركة الطلابية بقيت موجودة، ومنها ما يشكل جبهة معارضة قوية للحكومة ولسياساتها العامة، وخطواتها الاقتصادية، وشهدت أيضًا تنوّعًا في الانتماءات السياسية، منها ما برزت بالتدريج وما كان له تأثير كبير في الأحداث بعد ذلك، وعلى رأسها: الأصولية الإسلامية.

وكان الأصوليون الإسلاميون قد بدؤوا في تدعيم مكانتهم في الجامعات خلال حركة الاحتجاجات عام 1972، وأصبحوا فيما بين عامي 1977 و1981 القوة المسيطرة على الحركة الطلابية، وخططوا للسيطرة على الاتحادات الطلابية، وفازو بالفعل بعدد كبير من مقاعد انتخابات اتحاد الطلاب في العام الدراسي 1978/ 1979، وأدى ذلك إلى زيادة نفوذها داخل الجامعة وخارجها.

وكان الأصوليون الإسلاميون يعارضون السادات وما ذهب إليه من خطوات تتعلق بإسرائيل بعد حرب أكتوبر، ونتيجة لسيطرتهم أصدر السادات لائحة طلابية جديدة عام 1979، ألغى فيها الاتحادات الطلابية على مستوى الجمهورية والجامعات، وبقيت الاتحادات داخل الكليات والمعاهد فقط، وجعلت مجالسها يتشارك فيها الطلاب مع الأساتذة والإداريين، بجانب أنها أعادت "الحرس الجامعي" مرة أخرى، وبدأ تدخل الأمن في الانتخابات يزداد من جديد، فكان من الشروط موافقة الأمن للترشح في الانتخابات، وكان للأمن الحق في تنحية الطلاب غير المرغوب فيهم.

 

مبارك.. واستمرار القيود الأمنية

محمد حسني مبارك

ومع اغتيال السادات، ثم تولي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك الحكم عام 1981، ازداد تقييد نشاط الأصوليين الإسلاميين خارج الجامعات وداخلها، وتأثرت حركات طلابية أخرى بهذا التقييد، وفي العام الدراسي 1982/1983 حدثت وقائع مثل منع عدد من الطلاب من دخول الانتخابات ورفعهم دعاوٍ قضائية، وفي جامعة عين شمس انسحب مرشحون من الانتخابات انسحابًا جماعيَّا، مما أسهم في النهاية إلى المناورة في القيود الأمنية على الانتخابات، فسمح بترشح عدد من الطلاب غير المرغوب فيهم، والذي طالبوا بتغيير لائحة 1979. لكن بسبب التحكمات الأمنية في الانتخابات، بدأ الطلاب بشكل عام بفقد الاهتمام بالاتحادات وانتخاباتها.

ومع ذلك، فقد بقيت الحركة الطلابية، في مجملها، تعمل إلى حد ما؛ ففي ديسمبر من العام الدراسي 1983/1984، حدث احتكاك بين طلاب والحرس الجامعي بجامعة المنصورة بسبب اعتداء ضابط من حرس الجامعة على طالب من كلية الهندسة، وأضرب الطلاب الغاضبون ستة أيام، وأضاغوا مطالبهم التي تمثلت في إلغاء الحرس الجامعي، ولائحة 1979 كلها، وبعد أن استطاع ممثلون منهم مقابلة وزير التعليم العالي، حصلوا على وعد بتحقيق مطالبهم.

وصدرت بالفعل لائحة طلابية جديدة عام 1984، وكانت في حقيقتها تعديل للائحة 1979، فقضت الجديدة بإعادة الاتحادات الطلابية على مستوى الجامعات، وأن تكون مجالسها خالصة للطلاب من الإداريين وأعضاء هيئة التدريس، ولكن لائحة 1984 لم تعدل إلغاء اتحاد الطلاب على مستوى الجمهورية، وأبقت كذلك الحرس الجامعي، ولم تقبل حتى فصله عن وزارة الداخلية.

وفيما تلى ذلك من أعوام في الثمانينيات والتسعينيات، وخلال عهد مبارك، اتجهت الحركة الطلابية للاهتمام بالقضايا القومية أكثر من القضايا الداخلية، مثل مساندتهم لانتفاضة الحجارة الفلسطينية عام 1987، ومعارضة مشاركة مصر في الحرب ضد العراق عام 1991، واحتجاجات أخرى لاقتحام المسجد الأقصى عام 1998، ورفض حرب العراق مرة أخرى عام 2003.

 

الطلاب يحاولون التحرر

ومع هذا، فقد استمرت الاعتقالات من حين لآخر لبعض قيادات الحركة الطلابية، وتوازى معه عزوف مستمر من الطلاب بشكل عام عن المشاركة في الاتحادات الطلابية الرسمية وانتخاباتها، وبدأت النظرة للاتحادات على أنها لعبة في يد النظام الحاكم تترسخ أكثر فأكثر، مما دفع بعدد من الطلاب المنتمين لحركات سياسية مختلفة، منها؛ الإخوان المسلمين، والطلاب الاشتراكيين، وطلاب حزب الغد، والحزب الناصري، إلى فكرة "اتحاد الطلبة الحر"، والذي جرت المرحلة الأخيرة في انتخاباته يوم 26 من نوفمبر عام 2006، بنقابة المحامين، بدلًا من جامعة القاهرة، بعد أن تلقى عدد من أساتذة الجامعات المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين اتصالات هاتفية من رئيس الجامعة حينها الدكتور علي عبد الرحمن، يتوعد فيها الطلاب إذا أجروا نتخابات "الاتحاد الحر" داخل الجامعة، بحسب تقرير صحافي كانت جريدة الشعب قد نشرته في ذلك اليوم.

وبحسب بيان صحافي آخر قد نشرته مؤسسة حرية الفكر والتعبير قبلها بعدة أيام، فقد اعتقل ما يزيد عن 20 طالبًا منتمين لجماعة الإخوان المسلمين بكلية التجارة بجامعة حلوان، بسبب فكرة هذا الاتحاد.

ودفع هذا التحرك الطلابي، والعزوف عن انتخابات الاتحادات الرسمية المصاحب له، مبارك إلى إصدار لائحة جديدة عام 2007، والتي كان قد وعد بها أثناء ترشحه للانتحابات الرئاسية عام 2005، وأتت لائحة 2007 معدلة للائحة 1979 ولم تلغِها على الرغم من رفض الحركة الطلابية لها، ويصف تقرير صدر عن مؤسسة حرية الفكر والتعبير في نوفمبر عام 2008 التعديل الذي جاءت به لائحة 2007 بأنه "جاء ليفرض مزيدًا من القيود على حرية العمل الطلابي في الجامعات المصرية".

 

الطلاب في يناير 2011

يناير 2011.. برز فيها وجود الشباب بشكل خاص

ولم يتغير الوضع كثيرًا حتى عام 2011، والذي جاء حاملًا في بداياته أحداث 25 يناير، والتي شاركت فيه الحركة الطلابية بشكل أساسي، وبحسب تصريحات صحافية لمسؤول فريق طلاب الجامعات بجماعة الإخوان المسلمين حينها، فقد "امتنع كثير من الطلاب عن الذهاب للجامعات، وأضرب عدد من الأساتذة عن العمل، فاستطاعت القوى كافة حشد الطلاب من كافة التيارات السياسية والنزول بهم إلى الشارع".

 

ما بعد يناير 2011.. محاولات العودة

ونشطت الحركة الطلابية فيما بعد يناير 2011، ففي تقرير آخر نشرته مؤسسة حرية الفكر والتعبير في فبراير عام 2012، بدأ طلاب في السعي إلى تشكيل الاتحاد العام لطلاب مصر، بعد 30 سنة من إلغائه، واتفق 64 طالبًا هم رؤساء الاتحادات ونوابها في 20 جامعة حكومية و12 جامعة خاصة على صيغة مشتركة لكيفية إنشاء الاتحاد الموحد، ومن ثم نظم المؤتمر التأسيسي للاتحاد بضيافة الجامعة الأمريكية في الفترة من 18 إلى 20 أغسطس عام 2011، والذي كان على جدوله مواضيع أخرى، مثل: تغيير اللائحة الطلابية الصادرة عام 2007.

وبحسب التقرير، فإن المؤتمر لم يحافظ على ما كان مخططًّا له، بسبب انقسامات داخلية بين ممثلي الجامعات الخاصة والحكومية، وعلى أي حال فقد اختير أعضاء المكتب التنفيذي السبعة في آخر أيام المؤتمر، وأعلن تكوين اتحاد طلاب مصر. ويعد الاتحاد قد شارك في عدد من النشاطات الطلابية، ولكن كان يفترض أن يكون أهمها مؤتمر مناقشة وضع لائحة طلابية جديدة، والذي نظمه الاتحاد في دار الدفاع الجوي برعاية وزارة التعليم العالي في 17 أكتوبر عام 2011.

ولكن هذا المؤتمر لم يسفر إلا عن إقرار لائحة طلابية "لم يوافق عليها جميع طلاب الحركات السياسية" وطلاب اتحاد جامعة القاهرة، وطلاب اتحاد الجامعات الخاصة –بحسب التقرير-، ووصف طلاب ينتمون إلى حركات وأحزاب سياسية مختلفة في بيانٍ لهم اللائحة الجديدة بأنها دُبِّرت "في الغرف المغلقة بعيدًا عن أعين طلاب مصر".

 

لوائح طلابية متعاقبة.. وتوقف الانتخابات

وبعد تولي الرئيس الأسبق محمد مرسي الحكم في يونيو عام 2012، عدلت اللائحة الطلابية من جديد، وصدرت اللائحة المعدلة في فبراير عام 2013، والتي أقرت الاتحاد العام لطلاب مصر، وأتاحت قانونيًّا اختيار اتحاد الطلاب بالتصويت بأي عدد من الأصوات، وأجريت انتخابات اتحاد الطلاب في الشهر التالي مباشرةً لصدور اللائحة.

وبرحيل مرسي في يوليو عام 2013، جمدت لائحة 2013، ونتيجة لهذا لم يأتِ أي اتحاد آخر بعد الذي انتخب في مارس 2013 إلى الآن، على الرغم من أن الانتخابات كان المن المفترض توقفها حتى صدور التعديلات في اللائحة فقط، والتي بالفعل اقترحتها لجنة تضم طلابًا من اتحاد طلاب مصر والمجلس الأعلى للجامعات، وترأسها نائب رئيس جامعة القاهرة الدكتور عز الدين أبو ستيت، ولكنها بقيت معلقة بلا إقرار، حتى صدرت لائحة في نوفمبر عام 2014، ولكنها جاءت هي الأخرى لتمنع العمل الحزبي داخل الجامعات.

وبالتالي، عادت المطالب بتغيير هذه اللائحة هي الأخرى، وهذا التغيير لم يحدث إلا يوم الأحد الماضي، 18 أكتوبر، بصدور اللائحة الجديدة أخيرًا.

وكان من أبرز ما جاءت به اللائحة الجديدة، أنها أضافات لشروط الترشح لانتخابات الاتحاد ألا يكون الطالب "قد وقع عليه جزاءات تأديبية"، وألا يكون "منتميًا إلى أي تنظيم أو جماعة إرهابية يجرمها القانون"، مما أثار بدوره اعتراضات عديدة من بعض الطلاب فور صدورها.

وبالتزامن مع ذلك كله، لم تتوقف الاصطدامات بين الحركة الطلابية بشكل عام وبين قوات الأمن، منذ وجود مرسي في السلطة، مرورًا برحيله عنها في يوليو عام 2013، وتولي الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي الحكم في يونيو عام 2014، وإلى الآن.

 

هل يفاجئ الطلابُ الحكامَ من جديد؟

وفي تقرير نشره مركز الجزيرة للدراسات، قال مؤلفه: "من خلال رصد تاريخ الحركة الطلابية في مصر ودورها الوطني على المراحل التاريخية المختلفة، يتبيَّن أن كلمة السر في قوَّة هذه الحركة وتأثيرها في مسارات الأحداث تكمن في وحدة هذه الحركة، والتفافها حول قضايا وطنية جامعة؛ مثل: قضايا الاستقلال الوطني والتحرر من الاستعمار، أو قضايا تخصُّ استرداد الكرامة الوطنية وتحرير التراب الوطني، أو تتعلق بالحريات العامة والتصدِّي لهيمنة وبطش أجهزة الأمن...".

وبينما يفترض أن نكون الآن على أعتاب انتخابات اتحادات جديدة في خلال الأربعة أسابيع القادمة، يبقى لنا التساؤل عمَّ إذا كانت الاتحادات القادمة ستكون معبرة خقًّا عن جموع الطلاب، أم تكون كسابقاتها في عهد مبارك؟ ولا يمكننا التنبؤ بوضوح عن الخطوات التي يمكن أن تتخذها الحركة الطلابية بشكل كلي في الفترة القادمة، وهي التي فاجأت الحكام من قبل، وصنعت هي مجريات الأحداث عبر القرن الماضي من تاريخ مصر.


رابط مختصر: http://shafaff.com/article/9680
تعليقات